خصــــائص التنشئـــــــة :
من أهم خصائص التنشئة الاجتماعية أنها عملية اجتماعية قائمة على التفاعل المتبادل بينها وبين مكونات البناء الاجتماعي كما إنها عملية نسبية تختلف باختلاف الزمان والمكان وكذلك باختلاف الطبقات الاجتماعية داخل المجتمع الواحد وما تعكسه كل طبقة من ثقافة فرعية، كما إنها تختلف من بناء اجتماعي واقتصادي لآخر وتمتاز بأنها عملية مستمرة حيث أن المشاركة المستمرة في مواقف جديدة تتطلب تنشئة مستمرة يقوم بها الفرد بنفسه ولنفسه حتى يتمكن من مقابلة المتطلبات الجديدة للتفاعل وعملياته الني لا نهاية لها.
كما أنها عملية إنسانية واجتماعية حيث يكتسب الفرد من خلالها طبيعته الإنسانية التي لا تولد معه ولكنها تنمو من خلال الموقف عندما يشارك الآخرين تجارب الحياة. فهي تهدف ألي تحويل ذلك الطفل ألي عضواً فاعلاً قادراً على القيام بأدواره الاجتماعية متمثلاً للمعايير والقيم والتوجهات. وهناك كثير من الجماعات والمؤسسات التي تلعب دوراً رئيسياً في عملية التنشئة – الأسرة- المدرسة- جماعة الرفاق- أماكن العبادة – النوادي ووسائل الأعلام والوسائط الثقافية المسموعة والمكتوبة والمرئية كلها وسائط حتمية ومفروضة لعملية التنشئة حيث تتداخل لتطور الطفل وتوجه حياته وتشكلها في مراحلها المبكرة وعلى الرغم من اختلاف تلك المؤسسات في أدوارها ألا أنها تشترك جميعاً في تشكيل قيم الطفل ومعتقداته وسلوكه بحيث ينحو نحو النمط المرغوب فيه دينياً وخلقياً واجتماعياً. أن هذه المؤسسات لا يقتصر دورها على المراحل المبكرة من عمر الطفل ولكنها تستمر في ممارسة تدخلها فترة طويلة من الزمن وأهمها بالطبع الأسرة والمدرسة.
كيـف ينمو الضميـر لـدى الطفـل، وكيف تكون التنشئة؟
تبدأ عملية نمو الضمير في السنة الثانية من عمر الطفل، عندما يكتسب تحريم أفعال معينة (لا تقترب من الكتب) (لا تفتح الدولاب).. إلى آخر ذلك من التحريمات التي يتلقاها الطفل تدريجياً.. ومع تقدم السن لا يقتصر الضمير على تلك الأوامر والنواهي البسيطة بل يتسع ليشمل معايير أكثر تعميماً، ليشمل عما يجب وما لا يجب، فلا يكتفي الطفل بالعزوف عن ضرب أخيه الأصغر، مثلا، ولكن يتجاوز ذلك بأن يسلك تجاهه بطريقة (عطوفة) حانية (بشكل عام). بل أكثر من ذلك، قد يتعلم الطفل أيضا أن يكون (أميناً) و(مطيعاً) لا يكذب ولا يسرق، يحترم حقوق الآخرين وصالحهم وهكذا .
ويعتمد هذا التعميم بالطبع على نمو القدرات المعرفية للطفل، بمعنى أنه كلما أصبح الطفل قادراً على الفهم والاستيعاب بدرجة أكبر، فإن معايير سلوكه تصبح أكثر ميلا إلى تجاوز التحريمات البسيطة مثل (لا تضرب أخاك الأصغر) ويصبح الطفل أشد وعيا بالتطبيقات الأعم للمعايير والقيم الخلقية، مدركاً مثلاً أن (معظم الكائنات الحية تستحق منا أن نعاملها برفق).
ومع ذلك يجب ألا ننسى حقيقة مهمة جداً، وهي أن مجرد (معرفة الطفل بهذه المعايير لاتعني بالضرورة أنه يتصرف بمقتضاها) ذلك أن التزام الطفل بالمعايير الخلقية، إنما يعتمد علي عوامل أخرى مهمة ألا وهي: قوة التوحد مع قدرة لها نفس المعايير وملتزمة بها، مقدرا احتمال إثارة الشعور بالذنب عند مخالفة هذه المعايير).
حقيقة عامة أخرى، يجب معرفتها أيضاً، وهي أن تبني الطفل لقيم ومعايير الوالدين يعتمد على مقدار الدفء والحب اللذين يحاط بهما في علاقته بوالديه ومن خلال هذه الحقيقة نستطيع أن نرى أن الطفل الذي يتوحد بقوة مع الوالد يكون أسرع بالطبع في تبني المعايير السلوكية لذلك الوالد، هذا من ناحية ومن ناحية أخرى، فإن الطفل الذي يتمتع بعلاقة عاطفية دافئة مع الوالدين يكون حريصاً على الاحتفاظ بهذه العلاقة، ويخشى بدون شك من فقدانها، إن معظم الأطفال يقلقهم بالطبع ـ بعض الشيء على الأقل ـ احتمال فقدان العطف والحب اللذين يتمتع بهما مع والديه، ولذلك فهو يحافظ على معاييره السلوكية حتى يقلل من حدة ذلك القلق.
وهكذا تتضح أهمية شعور الطفل من فقدان الحب (كعامل آخر من العوامل التي يتضمنها نمو الضمير). على أن هذا الشعور بالقلق من فقدان الحب يتوقف على ما إذا كان هناك حب أصلاً. بعبارة أخرى فإن الطفل الذي لا يشعر بحب والديه لا يكون لديه ما يخشى على فقدانه وبالتالي فإنه يصعب أن نتصور في هذه الحالة كيف يمكن أن يتمثل الطفل معايير وقيم المجتمع الذي ينتمي إليه.
من الواضح إذن أن نمو الضمير عند الطفل يعتمد على معايير الآباء أنفسهم، كما يعتمد على طبيعة العلاقة بين الطفل وأبويه. وهنا يمكن أن نضيف بعض العوامل
التي تساعد على نمو الضمير عند الطفل :
-1 أن يكون لدى الوالدين ضمير ومعايير خلقية ناضجة ومعقولة ليست متشددة أكثر من اللازم أو جامدة أو قاسية.
-2أن يكون تبني الطفل للمعايير (الوالدية) قائما على أساس عملية توحد إيجابية: حباً وليس خوفاً.
وضمن أهم العمليات التي يقوم بها الوالدان لتقويم السلوك الاجتماعي لطفلهما عملية الثواب والعقاب، إضافة إلى عملية ملاحظة الكبار في سلوكهم تجاه الآخرين، والتي يكتسب من خلالها الطفل، خلال سنوات تكوينه الأولى، الملامح الأساسية لسلوكه الاجتماعي، بل ولشخصيته.. إلا أن الشخصية والسلوك الاجتماعي لا يمكن تفسيرها في ضوء الثواب والعقاب، كمتغير وحيد في بناء الشخصية، كذلك لا نستطيع أن نفسر بناء الشخصية أيضاً بعبارة بسيطة مثل (الملاحظة) أو مشاهدة النموذج، فهناك الكثير والكثير من الأنماط السلوكية المعقدة التي قد تكتسب دون هذا التدريب المباشر، أي من غير أن يكون هناك شخص (يعلم) سواء بالتدعيم أو من دونه، وكذلك دون أن يكون لدى الطفل (نية) التعلم.. بعبارة أخرى، هناك ذاتية الطفل واستقلاليته، وإيجابيته التي قد تغفلها مثل هذه التفسيرات البسيطة، ولكي نتفادى هذه الثغرة، علينا أن ندخل في تفسير السلوك الاجتماعي، ونمو الشخصية عند الطفل من خلال آليتين مهمتين هما (التقلد) و(التوحد).الجزء الثاني